أسعد الخطيب(1)
يجمع معظم الباحثين والمؤرخين القدماء والمعاصرين على أن التصوف ظهر في القرن الثاني الهجري وهو وليد حركة الزهد والنسك في الإسلام التي كان عليها الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم.
ويوضح ذلك ابن خلدون عند كلامه على نشوء علم التصوف قائلاً: (وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة) ويعد القرن الثالث الهجري مرحلة هامة بلغ فيها التصوف النضج والكمال، وأصبحت له قواعد معروفة. كما شكل الفقهاء وأصحاب الحديث علم الحديث والمذاهب الفقهية المشهورة.
ولكن السؤال هنا: ما هو موقف الإمام الجليل أحمد بن حنبل (164- 241هـ) صاحب المذهب المشهور من التصوف والصوفية؟
وفي الحقيقة فإن أصحاب المذاهب الأربعة وعلى رأسهم الإمام أحمد وإن غلب عليهم الاشتغال بالأمور الشرعية للضرورة القاضية بذلك فإنهم لم يكونوا متجرين بالفقه بل كانوا أيضاً كما يقول الإمام الغزالي في الإحياء: من العلماء بالله مراقبين قلوبهم مشتغلين بمعارف ربهم عما سواهم من الخلق.
وما دمنا في صدد الكلام عن الإمام أحمد بن حنبل يجدر أن نذكر وصف أبو زرعة له: ما رأت عيني مثل الإمام أحمد في العلم والزهد والفقه والمعرفة(2).
ولا شك أن أصول الصوفية الصحيحة المتفرقة في ثنايا الكتب اجتمعت في شخصية الإمام أحمد(3).
وهو رضي الله عنه ممن تكلم بعلوم الصوفية كما صرح بذلك ابن تيمية حين قال في (رسالته الصوفية والفقراء): (وقد نقل التكلم به من غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام أحمد وأبي سليمان الداراني وغيرهما).
ولذلك ليس غريباً أن نجد ترجمة الإمام أحمد مذكورة في معظم كتب تراجم الصوفية مثل حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. والكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية. والطبقات الكبرى للشعراني. وفي كشف المحجوب للهجويري: (وكل السادة الصوفية من جميع الطبقات يعتقدون فيه البركة…)(4).
وقلَّ أن نجد كتاباً من كتب التراث الصوفي يخلو من أثر عن الإمام أحمد، خاصة في الرسالة القشيرية والفتوحات المكية وتنوير القلوب وإحياء علوم الدين. حتى إن البعض عند الكلام عنه وصفه بأنه: (مقتدى الطائفة).
وقد قسمنا بحثنا هذا إلى قسمين.
الأول – موقف الإمام من قضايا التصوف،
والثاني – علاقة الإمام أحمد مع أبرز صوفية عصره.
أولاً: قضايا التصوف وموقف الإمام أحمد منها
1- التوسل : قال ابن تيمية في فتاواه: قال أحمد في نسكه الذي كتبه للمروزي صاحبه أنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه(5). وروى ابن مفلح في الآداب الشرعية عن أحمد بن حنبل أنه قال:
حججت فضللت الطريق وكنت ماشياً فجعلت أقول يا عباد الله دلوني على الطريق فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق(6). وقد ثبت عن الإمام أحمد أنه قال عند القحط وعند انقطاع المطر: يتوسل الداعي الذي يصلي صلاة الاستسقاء بالرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت أيضاً أن الإمام أحمد توسل بالإمام الشافعي رضي الله عنهما(7). حتى تعجب ابنه عبد الله من ذلك فقال له الإمام أحمد: إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن.
2- التبرك : جاء في خلاصة الوفاء للسمهودي وفي كتاب العلل والسؤالات لعبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سألت أبي عن رجل يمس قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويفعل بالمنبر مثل ذلك فقال: لا بأس به(8).
ويعزز هذا الكلام قول الذهبي: أين المتنطع المنكر على أحمد، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة قبر النبي ويمس الحجرة النبوية فقال: لا أرى بذلك بأساً. وختم الذهبي كلامه: أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج والبدع(9).
وقال السندي الخواتيمي: سألت أبا عبد الله عن الرجل يأتي هذه المشاهد، فقال:
على ما كان يفعله ابن عمر يتتبع مواضع النبي صلى الله عليه وسلم وأثره، فليس بذلك بأساً أن يأتي الرجل المشاهد(10).
وقال عبد الله بن أحمد: رأيت أبي آخذاً شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه يقبلها وأحسب أني رأيته يغمسها بالماء ويشربه يستشفي به(11).
3- العزلة : قال الإمام أحمد رضي الله عنه: الخلوة أروح لقلبي(12). وقال مرة: أريد نزول مكة في شِعْب من تلك الشعاب حتى لا أعرف. وقال ابنه عبد الله: لا يمكن لأحد أن يقول: إنه رأى أبي في هذه النواحي يوماً إلا إذا خرج إلي الجمعة، وكان أصبر الناس على الوحدة، وبِشْرٌ رحمه الله لم يكن يصبر على الوحدة(13). وقيل لأحمد بن حنبل: ما حجتك في ترك الخروج إلى الصلاةَ في جماعة ونحن بالعسكر فقال: إن الحسن وإبراهيم التيمي خافا أن يفتنهما الحجاج وأنا أخاف أن أفتتن أيضاً(14)واستشهد رحمه الله بقول مطرف التابعي الكبير: (تفقهوا ثم اعتزلوا)(15) قال فتح بن نوح: سمعت أحمد يقول: أشتهي مكاناً لا يكون فيه أحد من الناس، طوبى لمن أخمل الله ذكره.
4- السماع : جاء في طبقات الحنابلة في ترجمة يحيى بن منده: حدثنا الخلفاني، قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول في القصائد أي السماع الذي يتواجد عليه الصوفية؟ قال: مثل ماذا؟ قلت مثل:
إذا ما قال لي ربي *** أما استحييت تعصيني
وتخفي الذين من غيري *** وبالعصيان تأتيني
قال: فرد الباب وجعل يردد هذا الشعر(16).
وقد نقل العلامة السفاريني الحنبلي عن إبراهيم القلانسي أن الإمام أحمد قال عن الصوفية: لا أعلم قوماً أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة(17).
وطبعاً فإن الإمام أحمد رحمه الله يقصد هنا سماع الصوفيين الصادقين الذين هم خاصة الخلق كما وصفهم السبكي وليس أدعياء التصوف الذين تكاثر عددهم على مر الزمن.
5- الزهد : وتعريفه هو أن تكون مما في يد الله أوثق مما في يدك. ولأحمد بن حنبل كتاب خاص في الزهد شحن فيه أقوال الصحابة وكبار التابعين والصوفية أمثال إبراهيم بن أدهم ومالك بن دينار والفضيل بن عياض ومحمد بن واسع وسواهم وكان رضي الله عنه يقول: أسرّ أيامي أصبح ليس عندي شيء. ويستشهد بعبارة أحد الربانيين: اهتمامك برزق غد يكتب عليك خطيئة(18).
وقيل له: إن همة هؤلاء الصوفية كِسْرة وخرقة فقال: لا أعلم أعظم قدراً من هذه صفته.
قال صالح بن أحمد، رأيت أبي يأخذ الكسر (الخبز) وينفض الغبار عنها ثم يصب عليها الماء ثم يأكلها بالملح(19). وقد أرسل له مرة المتوكل طبيباً فقيل له: يا أمير المؤمنين إن أحمد بن حنبل ليس به علة في بدنه إنما هذا من قلة الطعام وكثرة الصيام والعبادة(20). فقد كان رحمه الله يقول: الخوف منعني من الطعام والشراب(21). وقال النحوي: رأيت الإمام أحمد وعليه ثياب غلاظ(22). وقال أبو طالب الشابي:
سئُل أحمد ما الزهد في الدنيا فقال: قصر الأمل والإياس مما في أيدي الناس.
أما ابن القيم فيذكر أن الزهد عند الإمام أحمد ثلاث أنواع: الأول: ترك الحرام وهو زهد العوام. والثاني: ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص. والثالث: ترك ما يشغل عن الله وهو زهد العارفين(23).
6- الإخلاص : قال رحمه الله: هو الخلاص من آفات الأعمال فخلص أعمالك من الغرور والشرك ومما يلائم نفسك(24) والشرك الذي كان يحذر منه الإمام أحمد ذكره في مسنده عندما أورد قول شداد بن أوس للرسول صلى الله عليه وسلم: أتشرك أمتُك من بعدك؟ قال: نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم(25).
وهناك حديث يتكرر كثيراً في مصنفات الصوفية وذكره الإمام أحمد في مسنده هو، قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أخلص عبد قط أربعين يوماً إلا ظهرت ينابيعُ الحكمة من قلبه على لسانه)(26).
7- الحديث الضعيف : قيل إن أحمد بن حنبل كان يحفظ ستمائة ألف حديث ما بين الصحيح والحسن والضعيف. وفسر الإمام أحمد ذلك قائلاً: (إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وكذلك إذا جاء الحديث في الكفارات والحدود والفرائض وإذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وثوابها وترغيبها وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد)(27). وهو يستدل بكلام أحد زهاد التابعين: (إن للحديث ضوءاً كضوء النهار تعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكره)(28).
8- الأبدال : لا نعلم أحداً من الفقهاء الأربعة المشهورين أكثر من ذكر الأبدال مثل الإمام أحمد، مثال على ذلك: ما جاء في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الأبدال بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب(29).
9- تقبيل القبر الشريف: أجاز الإمام أحمد تقبيل القبر. قال الحافظ العراقي: أخبرني أبو سعيد العلاني قال: رأيت في كلام ولد أحمد بن حنبل في جزء قديم أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل غيره، فقال: لا بأس بذلك، فأريناه ابن تيمية فصار يتعجب من ذلك(30).
وروى الإمام أحمد (وجد مروان بن الحكم رجلاً واضعاً وجهه على القبر الشريف فأخذ مروان برقبته ثم قال: هل تدري ما تصنع؟ قال: نعم إنما جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا على الذين إذا وليه غير أهله)(31).
10- تقبيل المصحف : قال الإمام أحمد ما سمعت فيه شيئاً، ولكن روي عن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أنه كان يفتح المصحف ويضع وجهه عليه ويقول: كلام ربي كلام ربي(32).
11- تقبيل اليد : سُئل عنها الإمام أحمد فقال: لا أرى بها بأساً عن طريق التدين، وكرهها عن طريق الدنيا(33) وقال الخلال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: رأيت كثيراً من العلماء والفقهاء والمحدثين يقبلون يد أبي ويعظمونه تعظيماً(34).
12- قراءة القرآن على الميت: قال أبو بكر المروزي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا دخلتم المقابر فاقرؤوا آية الكرسي وثلاث مرات قل هو الله أحد ثم قولوا: اللهم اجعل فضله لأهل المقابر(35).
قال ابن تيمية: إنه يجوز إهداء ثواب العبادات إلى موتى المسلمين كما هو مذهب أحمد.
13- كتابة التمائم وتعليقها: ذكر ابن القيم في زاد المعاد، أن الإمام أحمد سُئل عن التمائم تعلق بعد نزول البلاء فقال: أرجو أن لا يكون به بأساً. وقال ابن تيمية: نقلوا عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يكتب كلمات من القرآن والذكر ويأمر بأن تسقى لمن به داء، ونص الإمام أحمد على جوازه(36).
14- الذكر : أورد الإمام أحمد في مسنده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون)(37) وفي المسند أيضاً قال صلى الله عليه وسلم لجعفر بن أبي طالب: (أشبهت خَلْقي وخلُقي فحَجَل)(38). قال ابن حجر العسقلاني: حجل أي وقف على رجل واحدة، وهو الرقص بهيئة مخصوصة.
15– مناجاته : كان أحمد بن حنبل يناجي الله عز وجل مناجاة الصوفية فيقول:
اللهم، إن كنت تعلم أني أحبك خوفاً من نارك فعذبني بها، وإن كنت تعلم أني أحبك طمعاً في جنتك فاحرمنياها، وإن كنت تعلم أني أعبدك حباً مني إليك وشوقاً إلى وجهك الكريم فابحنياه مرة واصنع ما شئت(39).
16- أدبه : قال إبراهيم الحربي: كان أحمد بن حنبل وفّق للأدب، كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف، خمسمائة يكتبون والباقون يتعلمون منه حسن الأدب(40). وكان مرة متكئاً من علة، فذكر عنده أحد الصالحين فاستوى جالساً وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ.
وقد روى الإمام النووي أن الإمام أحمد عندما رأى أحد هؤلاء الصالحين وثب إليه وأكرمه فلما مضى قال له ابنه عبد الله: يا أبت تعمل به مثل هذا العمل، فقال: يا بني، لا تعارضني في مثل هذا(41).
قال ابن المنادي: سمعت جدي يقول: كان أحمد بن حنبل من أحسن الناس عشرة وأدباً، كثير الإطراق والسكوت، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث وذكر الصالحين والزهاد.
17- الكرامات : ذهب الإمام أحمد إلي جواز الكرامات للأولياء وضلّل من ينكرها(42).
قال التاج السبكي: فإن قلت: ما بال الكرامات في زمن الصحابة قليلة وبعدهم على يد الأولياء أكثر، فالجواب ما قاله الإمام أحمد بن حنبل: لأن قوة إيمانهم لا يحتاج معها إليها. ولأن الزمن الأول كان كثير النور، ألا ترى أن القنديل لا يظهر نوره بين القناديل، والنجوم لا يظهر لها نور مع ضوء الشمس(43). وقد وقعت للإمام أحمد كرامات عديدة، قال صاحب الجوهر: المحصل في مناقب الإمام أحمد بن حنبل له رضي الله عنه كرامات مشهورة ودعوات بالإجابة مبرورة، منها ما ظهر في حياته ومنها ما كان بعد مماته. جاء مرة حفيده ينزف من منخريه وعجز الطبيب عن ذلك، فجعل الإمام أحمد يحرك يديه ويدعو له فانقطع الدم(44). وحدّث أبو حرارة، قال: كانت أمي مقعدة نحو عشرين سنة، فقالت لي يوماً: اذهب إلى أحمد بن حنبل فاسأله أن يدعو الله لي. فذهبت إليه ودعا لها وعدت إلى البيت، فوجدت أمي تمشي على رجليها(45).
وقال عبد الله بن موسى: خرجت أنا وأبي في ليلة مظلمة نزور أحمد فاشتدت الظلمة، فقال أبي: يا بني، تعال نتوسل إلى الله تعالى بهذا العبد الصالح. فدعا أبي، فأضاءت السماء كأنها ليلة مقمرة(46) حتى وصلنا إليه.
18- في مصطلحات أخرى: المحبة: قال رضي الله عنه: سل عنها بشر الحافي لأني لا أجيبك عنها ما دام حياً.
الرضا: قال: لكل شيء كرم، وكرم القلوب الرضا عن الله(47). وقال أيضاً: الرضا ثلاثة أشياء: ترك الاختيار وسرور القلب بمر القضاء وإسقاط التدبير من النفس(48).
المريد: قال: أن يكون مع الله كما يريد، وأن يترك كل ما يريد لما يريد.
الفتوة: قال: هي ترك ما تهوى لما تخشى(49).
التواضع: مثال على ذلك قوله: أخذنا هذا العلم بالذل(50)
المجاهدة: قال المجاهد: من جاهد نفسه في ذات الله.
التوكل: قال: هو الثقة بالله وقال أيضاً: التوكل هو استشراف باليأس من الناس(51).
وهذا قريب من كلام الإمام الجُنيد رضي الله عنه: التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق.
ثانياً – علاقة الإمام أحمد مع صوفية عصره
لقد عاصر الإمام أحمد بن حنبل (164- 241هـ) طائفة من كبار الصوفية، وعلاقته معهم كانت قائمة على المودة والتقدير والاحترام المتبادل، وكان يقول: (صار القوم أئمة بالإخلاص وعند ذكرهم تتنزل الرحمة) وعلى رأس هؤلاء القوم.
1- بشر بن الحارث / ت 227هـ/ وقد سُئل عنه الإمام أحمد فقال: (هو رابع سبة من الأبدال)(52)وكان يقول: الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث. وقال الحسن الرازي قيل لأحمد: يجيئك بشر بن الحارث قال: لا تعننِّ الشيخ، نحن أحق أن نذهب إليه(53). وقال بشر عن الإمام أحمد خلال محنته: إن ابن حنبل دخل الكير فخرج ذهباً أحمر. فبلغ ذلك الإمام أحمد فقال: الحمد لله الذي رضى بشر بما صنعنا. وقال عندما بلغه موت بشر: لم يكن له نظير. ونستنتج من أخبار المؤرخين عن هذين الشيخين الجليلين، أن البغداديين كانوا يرون أنهما في مرتبة واحدة.
وكانوا يقولون: مثل الإمام أحمد بن حنبل مثل دجلة، كل أحد يعرفها. ومثل بشر بن الحارث كمثل بئر عذبة مغطاة لا يقصدها إلا الواحد بعد الواحد.
2- أحمد بن أبي الحواري /ت 203هـ/ عن يحيى بن معين قال: التقى أحمد بن حنبل وأحمد بن أبي الحواري بمكة ودار بينهما الحوار حول قول أبي سليمان الداراني: (إذا اعتادت النفوس على ترك الآثام جالت في الملكوت، وعادت إلى ذلك العبد بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علماً. وتعجب الإمام أحمد من هذا القول ووجد ما يدعمه في قوله صلى الله عليه وسلم: “من عمل بما يعلم، ورثة الله علم ما لم يعلم” ثم قال لأحمد بن أبي الحواري: صدقت يا أحمد وصدق شيخك)(54).
وفي قوت القلوب كان أحمد بن حنبل يقول: العلم ما جاء من فوق. قال يعني إلهاماً من غير تعليم(55).
3- حاتم الأصم /ت 237هـ/ لما دخل حاتم بغداد واجتمع إليه أهلها فقالوا: يا أبا عبد الرحمن أنت رجل أعجمي وليس يكلم أحد إلا قطعته، قال ذلك في ثلاث خصال إضهرن على خصمي: افرح إذا أصاب خصمي، واحزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي ألا أجهل عليه. فبلغ ذلك الإمام أحمد فقال: سبحان الله ما أعقله قوموا بنا إليه. فلما دخلوا عليه قيل له: يا أبا عبد الرحمن، ما السلامة من الدنيا؟ قال: يا أبا عبد الله لا تسلم من الدنيا حتى يكون معك أربعة خصال: تغفر للقوم جهلهم، وتمنع جهلك عنهم، وتبذل لهم شيئك، وتكون من شيئهم آيساً. فقال: يا حاتم إنها لشديدة، فقال حاتم: وليتك تسلم وليتك تسلم(56).
4- يحيى بن الجلاء / ت 258هـ/ عن الطرسوسي قال: ذهبت أنا ويحيى بن الجلاء إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل فسألته: يا أبا عبد الله، بم تلين القلوب؟ فقال: بأكل الحلال، فمررنا إلى بشر بن الحارث، فقلت له: بم تلين القلوب، قال ألا بذكر الله تطمئن القلوب. قلت له: إن ابن حنبل قال: بأكل الحلال فقال جاء بالأصل(57).
5- معروف الكرخي / ت 200هـ/ وصف معروفاً الإمام أحمد بعد أن رآه بأنه (فتى عليه أثار النسك)(58)،
وكان أحمد بن حنبل يذهب إلى معروف ويسأله. وقد سأل عبد الله والده أحمد مرة: هل كان مع معروف شيء من العلم؟ قال: كان معه رأس العلم وهو خشية الله(59).
وذكر يوماً في مجلس الإمام أحمد قول أحدهم عن معروف هو قصير العلم، فقال: أحمد: امسك عافاك الله، وذكر يوماً في مجلس الإمام أحمد قول أحدهم عن معروف هو قصير العلم، فقال: أحمد: امسك عافاك الله، وهل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف؟!
6- سري السقطي / ت 253هـ/ وهو خال الإمام الجنيد وشيخه. قال الحسن البزار سألت أحمد بن حنبل عن السري بعد قدومه من الثغر، فقال: أليس الشيخ الذي يعرف بطيب الغذاء (أي أكل الحلال) قلت: بلا، فأثنى عليه(60).
وقد أراد السري السقطي – وكان تاجراً- أن يوصل إلى أحمد شيئاً فرده، فقال له: يا أحمد احذر آفة الرد فإنها أشد من آفة الأخذ. فشرح أحمد صدراً بما قال السري، وأجاب: ما رددت ذلك إلا لأن عندي قوت شهر، فإذا كان بعد شهر فأنفذه إلي. وعلق صاحب كتاب (أحمد بن حنبل إمام أهل السنة) على ذلك بقوله: وأحمد يستفيد من كلام السري، ولا يلقي القول بإصرار رجل تستعبده آراؤه فتلك كبرياء على العلم والعلماء(61).
7- أبو حمزة الصوفي / ت 269هـ/ هو محمد بن إبراهيم اجتمع بالإمام أحمد كثيراً(62). وكان أحمد بن حنبل يجله ويعظمه، وإذا جرى في مجلسه شيء من كلام القوم يلتفت لأبي حمزه ويقول: (ما تقول فيها يا صوفي؟)(63).
وجاء في تنوير القلوب: إن الإمام أحمد بعد أن اجتمع مع أبي حمزه، قال لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد(64).
8- الحارث المحاسبي / ت 243هـ/ وقد ذكر بعض المؤرخين، أنه في البداية كان بينه وبين الإمام أحمد جفاء بسبب مسائل في علم الكلام. واتفق أن الإمام أحمد أمر بعض صحبه أن يجلسه بحيث يسمع كلام الحارث ولا يراه، ففعل فتكلم الحارث وأصحابه يسمعون كأنما على رؤوسهم الطير، ثم أخذوا يبكون فبكى أحمد حتى أغمي عليه وقال لصاحبه: ما رأيت كهؤلاء ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل، لكن مع ما وقفت من أحوالهم لا أرى لك صحبتهم(65).
قال السبكي في طبقاته: إنما قال له ذلك لقصوره عن مقامهم فإنهم في مقام ضيق.
ولا ننسى أن نذكر أن المحاسبي كان يحمل التقدير لابن حنبل، مؤيداً موقفه من المحنة. وقال ابن تيمية: المحاسبي أعلم المتأخرين بالسنن والآثار(66).
9- أبو عثمان الوّراق / ت 260هـ/ وقد تخرج به أكثر نجوم البغداديين في التصوف وعنه أخذوا التجرد وسياسة النفوس كما قال أبو نعيم، وأضاف أن الإمام أحمد بن حنبل كان يحمد سيرته(67).
10- أبو بكر المغازلي / ت 282هـ/ ذكر الذهبي في ترجمته هو الإمام الولي الرباني كان من البدلاء، له أحوال عجيبة، وكان الخلال يقول: كان أبو عبد الله يقدمه ويكرمه ويقول: من مثله!(68).
11- أبو تراب النخشبي / ت 245هـ/ وقد أخذ عنه الإمام أحمد(69). وقال ابن العماد: أبو تراب النخشبي دخل بغداد مرات واجتمع بالإمام أحمد بن حنبل(70).
12- أبو جعفر الطوسي / ت 254هـ/ وهو أستاذ الصوفيه المشهور أبي سعيد الخراز، قال أبو بكر المروزي: سألت أبا عبد الله عن أبي جعفر فقال: لا أعلم إلا خيراً(71).
13- أبو إبراهيم السائح: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان في دهليز أبي دكان، فإذا جاءه إنسان يريد أن يخلو به أجلس عليه، فدخله أبو إبراهيم السائح، فقال لي أبي: سلّم عليه فإنه من خيار المسلمين وكبارهم(72).
14- أبو إسحاق النيسبوري: قال الذهبي: كان أحمد بن حنبل يغشاه ويحترمه ويجله ويقول عنه: إن كان ببغداد أحد من الأبدال، فأبو اسحاق النيسبوري(73).
15- ذو النون المصري / ت 246هـ/ قال المرزوي: دخلت على ذي النون أيام محنته وهو في السجن فقال لي: أي شيء حال سيدنا؟- يعني أحمد بن حنبل(74). وقال الإمام أحمد لذي النون، لما سُمّي يحيى بن الجلاء بابن الجلاء، فقال: سميناه بذلك، لأنه إذا تكلم جلا قلوبنا(75).
16- موسى الجصاص / ت 251هـ/ قال الخطيب البغدادي عنه: (ورع متخل كان لا يحدث إلا بمسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل وشيء سمعه من أبي سليمان الداراني، وقال غيره: هو من قدماء أصحاب الإمام أحمد: كان ذا زهد وورع وتأله(76).
17- زكريا الهروي / ت 255هـ/ قال الذهبي والجامي: هو من كبار مشايخ الصوفية وورعيهم. وكان أحمد بن حنبل يرفع من محله ويقول عنه: هو من الأبدال(77).
18- فتح بن شخرف / ت 273هـ/ كان يقول عنه الإمام أحمد (ما أخرجت خراسان مثله)(78).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كتب لي الفتح بن شخرف الخراساني: (يقولون: علماء الأزمنة ثلاثة: ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه والثوري في زمانه، وأنا قلت للحارث المحاسبي: وابن حنبل في زمانه. فقال المحاسبي: نزل بالإمام أحمد ما لم ينزل بغيره(79).
19- وكيع بن الجراح / ت 200هـ تقريباً/ الكوفي الصوفي (80)المحدث قيل:
كان يصوم الدهر. قال أحمد بن حنبل: لو رأيت وكيعاً رأيت عجباً، حج أربعين حجة ورابط في عبادان أربعين ليلة(81). ولم يتلطخ بالسلطان.
– وهناك آخرون كثُر من العارفين لو سردنا أخبارهم هنا لطالت القائمة مثل أيوب الحمال وصفوان بن سليم ويحيى القطان وأحمد بن أبي بدر وإبراهيم النيسبوري وأبو يوسف الغسولي، وغيرهم. كان الإمام أحمد يقول عنهم: هم من خيار عباد الله يستنزل بذكرهم القطر. وما رأت عيناي مثلهم، وكان يطلق على بعضهم صفة الأبدال.
أفضلُ ختام لبحثنا هذا: دعاء للإمام أحمد بن حنبل كان يردده في سجوده
(اللهم من كان على هوى أو على رأي وهو يظن أنه على الحق وليس هو على الحق، فرده إلى الحق حتى لا يضل من هذه الأمة أحد).
قال إبراهيم بن شماس: خاض بالناس فقالوا: إن وقع أمر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فَمَنْ الحجة على وجه الأرض، فاتفقوا كلهم على أن أحمد بن حنبل حجته.
عاش الإمام أحمد (77) سنة، ودفن بعد وفاته في مقبرة باب حرب ببغداد، وصلى عليه خلائق لا يحصى عددهم. قال صاحب مختصر طبقات الحنابلة:
وقبره ظاهر مشهور يزار ويتبرك به.
المصادر والمراجع حسب ورودها في البحث:
1- تاريخ دمشق لابن عساكر: مجمع اللغة العربية بدمشق 1986.
2- الإمام أحمد بن حنبل لأحمد عبد الجواد الدومي ص 19 التراث الإسلامي 1965.
3- كشف المحجوب للهجويري – دار التراث العربي، القاهرة 1981.
4- الفتاوى لابن تيمية- القاهرة 1987.
5- الصواعق الإلهية لسليمان بن عبد الوهاب- دمشق 1996.
6- الدرر السنية لأحمد زيني دحلان الاسكندرية 1990.
7- اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية- بيروت 1983.
8- تصحيح مفاهيم خاطئة لابن علوي المالكي- القاهرة 1990.
9- سير أعلام النبلاء للذهبي- بيروت 1983.
10- مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي- القاهرة 1980.
11- إحياء علوم الدين للغزالي، ط دار الفكر بدمشق 1976.
12- الزهد للإمام أحمد- الاسكندرية 1987.
13- طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى – القاهرة 1985.
14- غذاء الألباب لابن مفلح – القاهرة 1990.
15- الورع للإمام أحمد- بيروت.
16- المختار في مناقب الأبرار لابن الأثير الجزري (مخطوط بمكتبة الأسد رقم 1114).
17- مدارج السالكين لابن القيم- القاهرة 1996.
18- الرسالة القشيرية لأبي القاسم القشيري- دمشق 2000.
19- شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي – دمشق 1998.
20- الود المحكم المتين لصديق الغماري – مصر د. ت.
21- خلاصة الوفاء للسمهودي- بيروت 1988.
22- أحمد بن حنبل أمام أهل السنة لعبد الحليم الجندي- القاهرة 1990.
23- الجوهر المحصل في مناقب أحمد بن حنبل لمحمد بن سعدي الحنبلي- بيروت د. ت
24- المجموعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية ليوسف خطار- دمشق.
25- مسائل كثر النقاش حولها لسيد زين الدين آل سميط: الكويت د.ت.
26- إسلام بلا مذاهب لمصطفى الشكعة – القاهرة 1992.
27- الترخيص بالقيام للنووي- دمشق 1995.
28- اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل لعبد الواحد التميمي- (مخطوط بمكتبة الأسد رقم 1036)
29- الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية للمناوي دمشق 1999.
30- المقدمة في التصوف للسلمي – القاهرة 1994.
31- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي- بيروت د.ت.
32- العلماء العزاب لعبد الفتاح أبو غدة- دمشق 1995.
33- حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني. بيروت 1985.
34- وفيات الأعيان لابن خلكان- بيروت 1983.
35- صفة الصفوة لابن الجوزي- بيروت 1992.
36- استنشاق نسيم الأُنس لابن رجب الحنبلي- دمشق 1997.
37- طبقات الصوفية للسلمي- القاهرة د. ت.
38- النجوم الزاهرة لابن غري بردى – بيروت 1992.
39- تنوير القلوب لأمين الكردي- بيروت- 1996.
40- رسالة المسترشدين للمحاسبي- ت: عبد الفتاح أبو غدة.
41- مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية- القاهرة د.ت
42- الأعلام للزركلي- بيروت 1992.
43- تاريخ الإسلام للذهبي- بيروت 1992.
44- نفحات الأُنس للجامي- مخطوط بمكتبة الأسد رقم 2231 (قيد الطبع).
45- معجم المؤلفين لرضا كحالة – بيروت 1989.
الهوامش:
(1) باحث في التراث الإسلامي من سورية.
(2) تاريخ دمشق/ ابن عساكر ج7 ص 258.
(3) الإمام أحمد بن حنبل لأحمد عبد الجواد الدومي ص 92.
(4) ص 144.
(5) ج1 ص 140.
(6) الصواعق الإلهية ص 76 لسليمان بن عبد الوهاب.
(7) الدرر السنية ص 45 لأحمد زيني دحلان.
(8) اقتضاء الصراط المستقيم ص 401. تصحيح مفاهيم خاطئة لابن علوي المالكي ص 29.
(9) سِيرَ أعلام النبلاء للذهبي ج 11 ص 54.
(10) اقتضاء الصراط المستقيم ص 339.
(11) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 212
(12) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص 351.
(13) تاريخ دمشق ج 7 ص 258، سير أعلام النبلاء ترجمة رقم 1810.
(14) أحياء علوم الدين للغزالي ج2 ص 166 ط دار الفكر.
(15) الزهد للإمام أحمد ص 140.
(16) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ج3 ص 132.
(17) غذاء الألباب لابن مفلح ج1 ص 120.
(18) الورع للإمام أحمد ص 46.
(19) المختار في مناقب الأبرار لابن الأثير الجذري (مخطوط 61 ب).
(20) طبقات الحنابلة ص 7.
(21) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 216.
(22) تاريخ دمشق ج 7 ص 216.
(23) مدار ج السالكين ج 2 ص 12. الرسالة القشيرية ج1 ص 413.
(24) كشف المحجوب ص 144.
(25) ج2 ص 633. مسند أحمد رقم 16671.
(26) الرسالة القشيرية ج2 ص633.
(27) شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي وفيات (241هـ) طبقات الحنابلة ج1 ص 113.
(28) الزهد للإمام أحمد ص 320.
(29) ج 1 ص 112.
(30) الرد المحكم المتين لصديق الغماري ص 273.
(31) خلاصة الوفا للسمهودي ص 127.
(32) أحمد بن حنبل إمام أهل السنة لعبد الحليم الجندي ص 177.
(33) الجوهر المحصل في مناقب أحمد بن حنبل ص 113 لمحمد بن سعدي الحنبلي.
(34) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 58.
(35) إحياء علوم الدين ج2 ص 147. المجموعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية للشيخ خطار ج1 ص 443.
(36) مسائل كنز النقاش حولها للشيخ سيد بن الدين آل سميط ص 20.
(37) ج 3 ص 68.
(38) ج 1 ص 98، 108.
(39) إسلام بلا مذاهب ص 461 نقلاً عن طبقات الحنابلة.
(40) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 216.
(41) الترخيص بالقيام للنووي ص 48.
(42) اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل (مخطوط 12 أ) مكتبة الأسد الوطنية.
(43) الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية للمناوي (المقدمة)
(44) مناقب الإمام أحمد بن حنبل ص 369.
(45) تاريخ دمشق ج 7 ص 259، سير أعلام النبلاء وغيره (باختصار).
(46) مناقب الإمام أحمد ص 372.
(47) تاريخ دمشق ج 7 ص 268.
(48) المقدمة في التصوف للسلمي ص 45.
(49) طبقات الحنابلة ج 1 ص 86
(50) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 231.
(51) مناقب الإمام أحمد ص 198.
(52) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ص 7 ص72.
(53) العلماء العزاب لعبد الفتاح أبو غدة ص 50.
(54) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج 10 ص 14.
(55) ص 138.
(56) إحياء علوم الدين ج1 ص 82، وفيات الأعيان لابن خلكان ترجمة رقم (148)ز
(57) الكواكب الدرية ج1 ص 519.
(58) طبقات الحنابلة ج 1 ص 381.
(59) تاريخ بغداد ج 13 ص 201
(60) صفة الصفوة ترجمة رقم 242.
(61) ص 135.
(62) استنشاق نسيم الأُنس لابن رجب الحنبلي ص 132.
(63) طبقات الصوفية للسلمي ص 295، النجوم الزاهرة وفيات (270هـ)
(64) ص 405.
(65) انظر ذلك موسعاً في مقدمة تحقيق رسالة المسترشد بن للمحاسبي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة.
(66) مجموعة الرسائل والمسائل ج1 ص 74.
(67) حلية الأولياء ج 10 ص313.
(68) سير أعلام النبلاء ترجمة رقم (2456)
(69) الأعلام للزركلي ج 4 ص 233.
(70) شذرات الذهب ووفيات (245هـ)
(71) سير أعلام النبلاء ترجمة رقم (2038)
(72) صفة الصفوة ج1 ص 411.
(73) سير أعلام النبلاء ترجمة رقم (2228)
(74) مناقب الإمام أحمد بن حنبل ص 51.
(75) النجوم الزاهرة لابن تغري بردي. وفيات (259هـ).
(76) تاريخ الإسلام للذهبي. وفيات (251- 260).
(77) نفحات الأنس للجامي (ترجمة زكريا الهروي) ص 520 تاريخ الإسلام. وفيات (251- 260)
(78) صفة الصفوة ج1 ص 575.
(79) حلية الأولياء ج 9 ص 167.
(80) معجم المؤلفين لرضا كحالة (ترجمة وكيع)
(81) الكواكب الدرية ج 2 ص316.
ويوضح ذلك ابن خلدون عند كلامه على نشوء علم التصوف قائلاً: (وكان ذلك عاماً في الصحابة والسلف فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة) ويعد القرن الثالث الهجري مرحلة هامة بلغ فيها التصوف النضج والكمال، وأصبحت له قواعد معروفة. كما شكل الفقهاء وأصحاب الحديث علم الحديث والمذاهب الفقهية المشهورة.
ولكن السؤال هنا: ما هو موقف الإمام الجليل أحمد بن حنبل (164- 241هـ) صاحب المذهب المشهور من التصوف والصوفية؟
وفي الحقيقة فإن أصحاب المذاهب الأربعة وعلى رأسهم الإمام أحمد وإن غلب عليهم الاشتغال بالأمور الشرعية للضرورة القاضية بذلك فإنهم لم يكونوا متجرين بالفقه بل كانوا أيضاً كما يقول الإمام الغزالي في الإحياء: من العلماء بالله مراقبين قلوبهم مشتغلين بمعارف ربهم عما سواهم من الخلق.
وما دمنا في صدد الكلام عن الإمام أحمد بن حنبل يجدر أن نذكر وصف أبو زرعة له: ما رأت عيني مثل الإمام أحمد في العلم والزهد والفقه والمعرفة(2).
ولا شك أن أصول الصوفية الصحيحة المتفرقة في ثنايا الكتب اجتمعت في شخصية الإمام أحمد(3).
وهو رضي الله عنه ممن تكلم بعلوم الصوفية كما صرح بذلك ابن تيمية حين قال في (رسالته الصوفية والفقراء): (وقد نقل التكلم به من غير واحد من الأئمة والشيوخ كالإمام أحمد وأبي سليمان الداراني وغيرهما).
ولذلك ليس غريباً أن نجد ترجمة الإمام أحمد مذكورة في معظم كتب تراجم الصوفية مثل حلية الأولياء وطبقات الأصفياء. والكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية. والطبقات الكبرى للشعراني. وفي كشف المحجوب للهجويري: (وكل السادة الصوفية من جميع الطبقات يعتقدون فيه البركة…)(4).
وقلَّ أن نجد كتاباً من كتب التراث الصوفي يخلو من أثر عن الإمام أحمد، خاصة في الرسالة القشيرية والفتوحات المكية وتنوير القلوب وإحياء علوم الدين. حتى إن البعض عند الكلام عنه وصفه بأنه: (مقتدى الطائفة).
وقد قسمنا بحثنا هذا إلى قسمين.
الأول – موقف الإمام من قضايا التصوف،
والثاني – علاقة الإمام أحمد مع أبرز صوفية عصره.
أولاً: قضايا التصوف وموقف الإمام أحمد منها
1- التوسل : قال ابن تيمية في فتاواه: قال أحمد في نسكه الذي كتبه للمروزي صاحبه أنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه(5). وروى ابن مفلح في الآداب الشرعية عن أحمد بن حنبل أنه قال:
حججت فضللت الطريق وكنت ماشياً فجعلت أقول يا عباد الله دلوني على الطريق فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق(6). وقد ثبت عن الإمام أحمد أنه قال عند القحط وعند انقطاع المطر: يتوسل الداعي الذي يصلي صلاة الاستسقاء بالرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت أيضاً أن الإمام أحمد توسل بالإمام الشافعي رضي الله عنهما(7). حتى تعجب ابنه عبد الله من ذلك فقال له الإمام أحمد: إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن.
2- التبرك : جاء في خلاصة الوفاء للسمهودي وفي كتاب العلل والسؤالات لعبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سألت أبي عن رجل يمس قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويفعل بالمنبر مثل ذلك فقال: لا بأس به(8).
ويعزز هذا الكلام قول الذهبي: أين المتنطع المنكر على أحمد، وقد ثبت أن عبد الله سأل أباه عمن يلمس رمانة قبر النبي ويمس الحجرة النبوية فقال: لا أرى بذلك بأساً. وختم الذهبي كلامه: أعاذنا الله وإياكم من رأي الخوارج والبدع(9).
وقال السندي الخواتيمي: سألت أبا عبد الله عن الرجل يأتي هذه المشاهد، فقال:
على ما كان يفعله ابن عمر يتتبع مواضع النبي صلى الله عليه وسلم وأثره، فليس بذلك بأساً أن يأتي الرجل المشاهد(10).
وقال عبد الله بن أحمد: رأيت أبي آخذاً شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه يقبلها وأحسب أني رأيته يغمسها بالماء ويشربه يستشفي به(11).
3- العزلة : قال الإمام أحمد رضي الله عنه: الخلوة أروح لقلبي(12). وقال مرة: أريد نزول مكة في شِعْب من تلك الشعاب حتى لا أعرف. وقال ابنه عبد الله: لا يمكن لأحد أن يقول: إنه رأى أبي في هذه النواحي يوماً إلا إذا خرج إلي الجمعة، وكان أصبر الناس على الوحدة، وبِشْرٌ رحمه الله لم يكن يصبر على الوحدة(13). وقيل لأحمد بن حنبل: ما حجتك في ترك الخروج إلى الصلاةَ في جماعة ونحن بالعسكر فقال: إن الحسن وإبراهيم التيمي خافا أن يفتنهما الحجاج وأنا أخاف أن أفتتن أيضاً(14)واستشهد رحمه الله بقول مطرف التابعي الكبير: (تفقهوا ثم اعتزلوا)(15) قال فتح بن نوح: سمعت أحمد يقول: أشتهي مكاناً لا يكون فيه أحد من الناس، طوبى لمن أخمل الله ذكره.
4- السماع : جاء في طبقات الحنابلة في ترجمة يحيى بن منده: حدثنا الخلفاني، قلت لأحمد بن حنبل: ما تقول في القصائد أي السماع الذي يتواجد عليه الصوفية؟ قال: مثل ماذا؟ قلت مثل:
إذا ما قال لي ربي *** أما استحييت تعصيني
وتخفي الذين من غيري *** وبالعصيان تأتيني
قال: فرد الباب وجعل يردد هذا الشعر(16).
وقد نقل العلامة السفاريني الحنبلي عن إبراهيم القلانسي أن الإمام أحمد قال عن الصوفية: لا أعلم قوماً أفضل منهم. قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة(17).
وطبعاً فإن الإمام أحمد رحمه الله يقصد هنا سماع الصوفيين الصادقين الذين هم خاصة الخلق كما وصفهم السبكي وليس أدعياء التصوف الذين تكاثر عددهم على مر الزمن.
5- الزهد : وتعريفه هو أن تكون مما في يد الله أوثق مما في يدك. ولأحمد بن حنبل كتاب خاص في الزهد شحن فيه أقوال الصحابة وكبار التابعين والصوفية أمثال إبراهيم بن أدهم ومالك بن دينار والفضيل بن عياض ومحمد بن واسع وسواهم وكان رضي الله عنه يقول: أسرّ أيامي أصبح ليس عندي شيء. ويستشهد بعبارة أحد الربانيين: اهتمامك برزق غد يكتب عليك خطيئة(18).
وقيل له: إن همة هؤلاء الصوفية كِسْرة وخرقة فقال: لا أعلم أعظم قدراً من هذه صفته.
قال صالح بن أحمد، رأيت أبي يأخذ الكسر (الخبز) وينفض الغبار عنها ثم يصب عليها الماء ثم يأكلها بالملح(19). وقد أرسل له مرة المتوكل طبيباً فقيل له: يا أمير المؤمنين إن أحمد بن حنبل ليس به علة في بدنه إنما هذا من قلة الطعام وكثرة الصيام والعبادة(20). فقد كان رحمه الله يقول: الخوف منعني من الطعام والشراب(21). وقال النحوي: رأيت الإمام أحمد وعليه ثياب غلاظ(22). وقال أبو طالب الشابي:
سئُل أحمد ما الزهد في الدنيا فقال: قصر الأمل والإياس مما في أيدي الناس.
أما ابن القيم فيذكر أن الزهد عند الإمام أحمد ثلاث أنواع: الأول: ترك الحرام وهو زهد العوام. والثاني: ترك الفضول من الحلال وهو زهد الخواص. والثالث: ترك ما يشغل عن الله وهو زهد العارفين(23).
6- الإخلاص : قال رحمه الله: هو الخلاص من آفات الأعمال فخلص أعمالك من الغرور والشرك ومما يلائم نفسك(24) والشرك الذي كان يحذر منه الإمام أحمد ذكره في مسنده عندما أورد قول شداد بن أوس للرسول صلى الله عليه وسلم: أتشرك أمتُك من بعدك؟ قال: نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً ولكن يراؤون بأعمالهم(25).
وهناك حديث يتكرر كثيراً في مصنفات الصوفية وذكره الإمام أحمد في مسنده هو، قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أخلص عبد قط أربعين يوماً إلا ظهرت ينابيعُ الحكمة من قلبه على لسانه)(26).
7- الحديث الضعيف : قيل إن أحمد بن حنبل كان يحفظ ستمائة ألف حديث ما بين الصحيح والحسن والضعيف. وفسر الإمام أحمد ذلك قائلاً: (إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وكذلك إذا جاء الحديث في الكفارات والحدود والفرائض وإذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وثوابها وترغيبها وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد)(27). وهو يستدل بكلام أحد زهاد التابعين: (إن للحديث ضوءاً كضوء النهار تعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكره)(28).
8- الأبدال : لا نعلم أحداً من الفقهاء الأربعة المشهورين أكثر من ذكر الأبدال مثل الإمام أحمد، مثال على ذلك: ما جاء في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الأبدال بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب(29).
9- تقبيل القبر الشريف: أجاز الإمام أحمد تقبيل القبر. قال الحافظ العراقي: أخبرني أبو سعيد العلاني قال: رأيت في كلام ولد أحمد بن حنبل في جزء قديم أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل غيره، فقال: لا بأس بذلك، فأريناه ابن تيمية فصار يتعجب من ذلك(30).
وروى الإمام أحمد (وجد مروان بن الحكم رجلاً واضعاً وجهه على القبر الشريف فأخذ مروان برقبته ثم قال: هل تدري ما تصنع؟ قال: نعم إنما جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا على الذين إذا وليه غير أهله)(31).
10- تقبيل المصحف : قال الإمام أحمد ما سمعت فيه شيئاً، ولكن روي عن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أنه كان يفتح المصحف ويضع وجهه عليه ويقول: كلام ربي كلام ربي(32).
11- تقبيل اليد : سُئل عنها الإمام أحمد فقال: لا أرى بها بأساً عن طريق التدين، وكرهها عن طريق الدنيا(33) وقال الخلال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: رأيت كثيراً من العلماء والفقهاء والمحدثين يقبلون يد أبي ويعظمونه تعظيماً(34).
12- قراءة القرآن على الميت: قال أبو بكر المروزي: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا دخلتم المقابر فاقرؤوا آية الكرسي وثلاث مرات قل هو الله أحد ثم قولوا: اللهم اجعل فضله لأهل المقابر(35).
قال ابن تيمية: إنه يجوز إهداء ثواب العبادات إلى موتى المسلمين كما هو مذهب أحمد.
13- كتابة التمائم وتعليقها: ذكر ابن القيم في زاد المعاد، أن الإمام أحمد سُئل عن التمائم تعلق بعد نزول البلاء فقال: أرجو أن لا يكون به بأساً. وقال ابن تيمية: نقلوا عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يكتب كلمات من القرآن والذكر ويأمر بأن تسقى لمن به داء، ونص الإمام أحمد على جوازه(36).
14- الذكر : أورد الإمام أحمد في مسنده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون)(37) وفي المسند أيضاً قال صلى الله عليه وسلم لجعفر بن أبي طالب: (أشبهت خَلْقي وخلُقي فحَجَل)(38). قال ابن حجر العسقلاني: حجل أي وقف على رجل واحدة، وهو الرقص بهيئة مخصوصة.
15– مناجاته : كان أحمد بن حنبل يناجي الله عز وجل مناجاة الصوفية فيقول:
اللهم، إن كنت تعلم أني أحبك خوفاً من نارك فعذبني بها، وإن كنت تعلم أني أحبك طمعاً في جنتك فاحرمنياها، وإن كنت تعلم أني أعبدك حباً مني إليك وشوقاً إلى وجهك الكريم فابحنياه مرة واصنع ما شئت(39).
16- أدبه : قال إبراهيم الحربي: كان أحمد بن حنبل وفّق للأدب، كان يجتمع في مجلس أحمد زهاء خمسة آلاف، خمسمائة يكتبون والباقون يتعلمون منه حسن الأدب(40). وكان مرة متكئاً من علة، فذكر عنده أحد الصالحين فاستوى جالساً وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ.
وقد روى الإمام النووي أن الإمام أحمد عندما رأى أحد هؤلاء الصالحين وثب إليه وأكرمه فلما مضى قال له ابنه عبد الله: يا أبت تعمل به مثل هذا العمل، فقال: يا بني، لا تعارضني في مثل هذا(41).
قال ابن المنادي: سمعت جدي يقول: كان أحمد بن حنبل من أحسن الناس عشرة وأدباً، كثير الإطراق والسكوت، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث وذكر الصالحين والزهاد.
17- الكرامات : ذهب الإمام أحمد إلي جواز الكرامات للأولياء وضلّل من ينكرها(42).
قال التاج السبكي: فإن قلت: ما بال الكرامات في زمن الصحابة قليلة وبعدهم على يد الأولياء أكثر، فالجواب ما قاله الإمام أحمد بن حنبل: لأن قوة إيمانهم لا يحتاج معها إليها. ولأن الزمن الأول كان كثير النور، ألا ترى أن القنديل لا يظهر نوره بين القناديل، والنجوم لا يظهر لها نور مع ضوء الشمس(43). وقد وقعت للإمام أحمد كرامات عديدة، قال صاحب الجوهر: المحصل في مناقب الإمام أحمد بن حنبل له رضي الله عنه كرامات مشهورة ودعوات بالإجابة مبرورة، منها ما ظهر في حياته ومنها ما كان بعد مماته. جاء مرة حفيده ينزف من منخريه وعجز الطبيب عن ذلك، فجعل الإمام أحمد يحرك يديه ويدعو له فانقطع الدم(44). وحدّث أبو حرارة، قال: كانت أمي مقعدة نحو عشرين سنة، فقالت لي يوماً: اذهب إلى أحمد بن حنبل فاسأله أن يدعو الله لي. فذهبت إليه ودعا لها وعدت إلى البيت، فوجدت أمي تمشي على رجليها(45).
وقال عبد الله بن موسى: خرجت أنا وأبي في ليلة مظلمة نزور أحمد فاشتدت الظلمة، فقال أبي: يا بني، تعال نتوسل إلى الله تعالى بهذا العبد الصالح. فدعا أبي، فأضاءت السماء كأنها ليلة مقمرة(46) حتى وصلنا إليه.
18- في مصطلحات أخرى: المحبة: قال رضي الله عنه: سل عنها بشر الحافي لأني لا أجيبك عنها ما دام حياً.
الرضا: قال: لكل شيء كرم، وكرم القلوب الرضا عن الله(47). وقال أيضاً: الرضا ثلاثة أشياء: ترك الاختيار وسرور القلب بمر القضاء وإسقاط التدبير من النفس(48).
المريد: قال: أن يكون مع الله كما يريد، وأن يترك كل ما يريد لما يريد.
الفتوة: قال: هي ترك ما تهوى لما تخشى(49).
التواضع: مثال على ذلك قوله: أخذنا هذا العلم بالذل(50)
المجاهدة: قال المجاهد: من جاهد نفسه في ذات الله.
التوكل: قال: هو الثقة بالله وقال أيضاً: التوكل هو استشراف باليأس من الناس(51).
وهذا قريب من كلام الإمام الجُنيد رضي الله عنه: التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق.
ثانياً – علاقة الإمام أحمد مع صوفية عصره
لقد عاصر الإمام أحمد بن حنبل (164- 241هـ) طائفة من كبار الصوفية، وعلاقته معهم كانت قائمة على المودة والتقدير والاحترام المتبادل، وكان يقول: (صار القوم أئمة بالإخلاص وعند ذكرهم تتنزل الرحمة) وعلى رأس هؤلاء القوم.
1- بشر بن الحارث / ت 227هـ/ وقد سُئل عنه الإمام أحمد فقال: (هو رابع سبة من الأبدال)(52)وكان يقول: الطريق ما كان عليه بشر بن الحارث. وقال الحسن الرازي قيل لأحمد: يجيئك بشر بن الحارث قال: لا تعننِّ الشيخ، نحن أحق أن نذهب إليه(53). وقال بشر عن الإمام أحمد خلال محنته: إن ابن حنبل دخل الكير فخرج ذهباً أحمر. فبلغ ذلك الإمام أحمد فقال: الحمد لله الذي رضى بشر بما صنعنا. وقال عندما بلغه موت بشر: لم يكن له نظير. ونستنتج من أخبار المؤرخين عن هذين الشيخين الجليلين، أن البغداديين كانوا يرون أنهما في مرتبة واحدة.
وكانوا يقولون: مثل الإمام أحمد بن حنبل مثل دجلة، كل أحد يعرفها. ومثل بشر بن الحارث كمثل بئر عذبة مغطاة لا يقصدها إلا الواحد بعد الواحد.
2- أحمد بن أبي الحواري /ت 203هـ/ عن يحيى بن معين قال: التقى أحمد بن حنبل وأحمد بن أبي الحواري بمكة ودار بينهما الحوار حول قول أبي سليمان الداراني: (إذا اعتادت النفوس على ترك الآثام جالت في الملكوت، وعادت إلى ذلك العبد بطرائف الحكمة من غير أن يؤدي إليها عالم علماً. وتعجب الإمام أحمد من هذا القول ووجد ما يدعمه في قوله صلى الله عليه وسلم: “من عمل بما يعلم، ورثة الله علم ما لم يعلم” ثم قال لأحمد بن أبي الحواري: صدقت يا أحمد وصدق شيخك)(54).
وفي قوت القلوب كان أحمد بن حنبل يقول: العلم ما جاء من فوق. قال يعني إلهاماً من غير تعليم(55).
3- حاتم الأصم /ت 237هـ/ لما دخل حاتم بغداد واجتمع إليه أهلها فقالوا: يا أبا عبد الرحمن أنت رجل أعجمي وليس يكلم أحد إلا قطعته، قال ذلك في ثلاث خصال إضهرن على خصمي: افرح إذا أصاب خصمي، واحزن إذا أخطأ، وأحفظ نفسي ألا أجهل عليه. فبلغ ذلك الإمام أحمد فقال: سبحان الله ما أعقله قوموا بنا إليه. فلما دخلوا عليه قيل له: يا أبا عبد الرحمن، ما السلامة من الدنيا؟ قال: يا أبا عبد الله لا تسلم من الدنيا حتى يكون معك أربعة خصال: تغفر للقوم جهلهم، وتمنع جهلك عنهم، وتبذل لهم شيئك، وتكون من شيئهم آيساً. فقال: يا حاتم إنها لشديدة، فقال حاتم: وليتك تسلم وليتك تسلم(56).
4- يحيى بن الجلاء / ت 258هـ/ عن الطرسوسي قال: ذهبت أنا ويحيى بن الجلاء إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل فسألته: يا أبا عبد الله، بم تلين القلوب؟ فقال: بأكل الحلال، فمررنا إلى بشر بن الحارث، فقلت له: بم تلين القلوب، قال ألا بذكر الله تطمئن القلوب. قلت له: إن ابن حنبل قال: بأكل الحلال فقال جاء بالأصل(57).
5- معروف الكرخي / ت 200هـ/ وصف معروفاً الإمام أحمد بعد أن رآه بأنه (فتى عليه أثار النسك)(58)،
وكان أحمد بن حنبل يذهب إلى معروف ويسأله. وقد سأل عبد الله والده أحمد مرة: هل كان مع معروف شيء من العلم؟ قال: كان معه رأس العلم وهو خشية الله(59).
وذكر يوماً في مجلس الإمام أحمد قول أحدهم عن معروف هو قصير العلم، فقال: أحمد: امسك عافاك الله، وذكر يوماً في مجلس الإمام أحمد قول أحدهم عن معروف هو قصير العلم، فقال: أحمد: امسك عافاك الله، وهل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف؟!
6- سري السقطي / ت 253هـ/ وهو خال الإمام الجنيد وشيخه. قال الحسن البزار سألت أحمد بن حنبل عن السري بعد قدومه من الثغر، فقال: أليس الشيخ الذي يعرف بطيب الغذاء (أي أكل الحلال) قلت: بلا، فأثنى عليه(60).
وقد أراد السري السقطي – وكان تاجراً- أن يوصل إلى أحمد شيئاً فرده، فقال له: يا أحمد احذر آفة الرد فإنها أشد من آفة الأخذ. فشرح أحمد صدراً بما قال السري، وأجاب: ما رددت ذلك إلا لأن عندي قوت شهر، فإذا كان بعد شهر فأنفذه إلي. وعلق صاحب كتاب (أحمد بن حنبل إمام أهل السنة) على ذلك بقوله: وأحمد يستفيد من كلام السري، ولا يلقي القول بإصرار رجل تستعبده آراؤه فتلك كبرياء على العلم والعلماء(61).
7- أبو حمزة الصوفي / ت 269هـ/ هو محمد بن إبراهيم اجتمع بالإمام أحمد كثيراً(62). وكان أحمد بن حنبل يجله ويعظمه، وإذا جرى في مجلسه شيء من كلام القوم يلتفت لأبي حمزه ويقول: (ما تقول فيها يا صوفي؟)(63).
وجاء في تنوير القلوب: إن الإمام أحمد بعد أن اجتمع مع أبي حمزه، قال لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد(64).
8- الحارث المحاسبي / ت 243هـ/ وقد ذكر بعض المؤرخين، أنه في البداية كان بينه وبين الإمام أحمد جفاء بسبب مسائل في علم الكلام. واتفق أن الإمام أحمد أمر بعض صحبه أن يجلسه بحيث يسمع كلام الحارث ولا يراه، ففعل فتكلم الحارث وأصحابه يسمعون كأنما على رؤوسهم الطير، ثم أخذوا يبكون فبكى أحمد حتى أغمي عليه وقال لصاحبه: ما رأيت كهؤلاء ولا سمعت في علم الحقائق مثل كلام هذا الرجل، لكن مع ما وقفت من أحوالهم لا أرى لك صحبتهم(65).
قال السبكي في طبقاته: إنما قال له ذلك لقصوره عن مقامهم فإنهم في مقام ضيق.
ولا ننسى أن نذكر أن المحاسبي كان يحمل التقدير لابن حنبل، مؤيداً موقفه من المحنة. وقال ابن تيمية: المحاسبي أعلم المتأخرين بالسنن والآثار(66).
9- أبو عثمان الوّراق / ت 260هـ/ وقد تخرج به أكثر نجوم البغداديين في التصوف وعنه أخذوا التجرد وسياسة النفوس كما قال أبو نعيم، وأضاف أن الإمام أحمد بن حنبل كان يحمد سيرته(67).
10- أبو بكر المغازلي / ت 282هـ/ ذكر الذهبي في ترجمته هو الإمام الولي الرباني كان من البدلاء، له أحوال عجيبة، وكان الخلال يقول: كان أبو عبد الله يقدمه ويكرمه ويقول: من مثله!(68).
11- أبو تراب النخشبي / ت 245هـ/ وقد أخذ عنه الإمام أحمد(69). وقال ابن العماد: أبو تراب النخشبي دخل بغداد مرات واجتمع بالإمام أحمد بن حنبل(70).
12- أبو جعفر الطوسي / ت 254هـ/ وهو أستاذ الصوفيه المشهور أبي سعيد الخراز، قال أبو بكر المروزي: سألت أبا عبد الله عن أبي جعفر فقال: لا أعلم إلا خيراً(71).
13- أبو إبراهيم السائح: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان في دهليز أبي دكان، فإذا جاءه إنسان يريد أن يخلو به أجلس عليه، فدخله أبو إبراهيم السائح، فقال لي أبي: سلّم عليه فإنه من خيار المسلمين وكبارهم(72).
14- أبو إسحاق النيسبوري: قال الذهبي: كان أحمد بن حنبل يغشاه ويحترمه ويجله ويقول عنه: إن كان ببغداد أحد من الأبدال، فأبو اسحاق النيسبوري(73).
15- ذو النون المصري / ت 246هـ/ قال المرزوي: دخلت على ذي النون أيام محنته وهو في السجن فقال لي: أي شيء حال سيدنا؟- يعني أحمد بن حنبل(74). وقال الإمام أحمد لذي النون، لما سُمّي يحيى بن الجلاء بابن الجلاء، فقال: سميناه بذلك، لأنه إذا تكلم جلا قلوبنا(75).
16- موسى الجصاص / ت 251هـ/ قال الخطيب البغدادي عنه: (ورع متخل كان لا يحدث إلا بمسائل أبي عبد الله أحمد بن حنبل وشيء سمعه من أبي سليمان الداراني، وقال غيره: هو من قدماء أصحاب الإمام أحمد: كان ذا زهد وورع وتأله(76).
17- زكريا الهروي / ت 255هـ/ قال الذهبي والجامي: هو من كبار مشايخ الصوفية وورعيهم. وكان أحمد بن حنبل يرفع من محله ويقول عنه: هو من الأبدال(77).
18- فتح بن شخرف / ت 273هـ/ كان يقول عنه الإمام أحمد (ما أخرجت خراسان مثله)(78).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كتب لي الفتح بن شخرف الخراساني: (يقولون: علماء الأزمنة ثلاثة: ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه والثوري في زمانه، وأنا قلت للحارث المحاسبي: وابن حنبل في زمانه. فقال المحاسبي: نزل بالإمام أحمد ما لم ينزل بغيره(79).
19- وكيع بن الجراح / ت 200هـ تقريباً/ الكوفي الصوفي (80)المحدث قيل:
كان يصوم الدهر. قال أحمد بن حنبل: لو رأيت وكيعاً رأيت عجباً، حج أربعين حجة ورابط في عبادان أربعين ليلة(81). ولم يتلطخ بالسلطان.
– وهناك آخرون كثُر من العارفين لو سردنا أخبارهم هنا لطالت القائمة مثل أيوب الحمال وصفوان بن سليم ويحيى القطان وأحمد بن أبي بدر وإبراهيم النيسبوري وأبو يوسف الغسولي، وغيرهم. كان الإمام أحمد يقول عنهم: هم من خيار عباد الله يستنزل بذكرهم القطر. وما رأت عيناي مثلهم، وكان يطلق على بعضهم صفة الأبدال.
أفضلُ ختام لبحثنا هذا: دعاء للإمام أحمد بن حنبل كان يردده في سجوده
(اللهم من كان على هوى أو على رأي وهو يظن أنه على الحق وليس هو على الحق، فرده إلى الحق حتى لا يضل من هذه الأمة أحد).
قال إبراهيم بن شماس: خاض بالناس فقالوا: إن وقع أمر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فَمَنْ الحجة على وجه الأرض، فاتفقوا كلهم على أن أحمد بن حنبل حجته.
عاش الإمام أحمد (77) سنة، ودفن بعد وفاته في مقبرة باب حرب ببغداد، وصلى عليه خلائق لا يحصى عددهم. قال صاحب مختصر طبقات الحنابلة:
وقبره ظاهر مشهور يزار ويتبرك به.
المصادر والمراجع حسب ورودها في البحث:
1- تاريخ دمشق لابن عساكر: مجمع اللغة العربية بدمشق 1986.
2- الإمام أحمد بن حنبل لأحمد عبد الجواد الدومي ص 19 التراث الإسلامي 1965.
3- كشف المحجوب للهجويري – دار التراث العربي، القاهرة 1981.
4- الفتاوى لابن تيمية- القاهرة 1987.
5- الصواعق الإلهية لسليمان بن عبد الوهاب- دمشق 1996.
6- الدرر السنية لأحمد زيني دحلان الاسكندرية 1990.
7- اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية- بيروت 1983.
8- تصحيح مفاهيم خاطئة لابن علوي المالكي- القاهرة 1990.
9- سير أعلام النبلاء للذهبي- بيروت 1983.
10- مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي- القاهرة 1980.
11- إحياء علوم الدين للغزالي، ط دار الفكر بدمشق 1976.
12- الزهد للإمام أحمد- الاسكندرية 1987.
13- طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى – القاهرة 1985.
14- غذاء الألباب لابن مفلح – القاهرة 1990.
15- الورع للإمام أحمد- بيروت.
16- المختار في مناقب الأبرار لابن الأثير الجزري (مخطوط بمكتبة الأسد رقم 1114).
17- مدارج السالكين لابن القيم- القاهرة 1996.
18- الرسالة القشيرية لأبي القاسم القشيري- دمشق 2000.
19- شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي – دمشق 1998.
20- الود المحكم المتين لصديق الغماري – مصر د. ت.
21- خلاصة الوفاء للسمهودي- بيروت 1988.
22- أحمد بن حنبل أمام أهل السنة لعبد الحليم الجندي- القاهرة 1990.
23- الجوهر المحصل في مناقب أحمد بن حنبل لمحمد بن سعدي الحنبلي- بيروت د. ت
24- المجموعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية ليوسف خطار- دمشق.
25- مسائل كثر النقاش حولها لسيد زين الدين آل سميط: الكويت د.ت.
26- إسلام بلا مذاهب لمصطفى الشكعة – القاهرة 1992.
27- الترخيص بالقيام للنووي- دمشق 1995.
28- اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل لعبد الواحد التميمي- (مخطوط بمكتبة الأسد رقم 1036)
29- الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية للمناوي دمشق 1999.
30- المقدمة في التصوف للسلمي – القاهرة 1994.
31- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي- بيروت د.ت.
32- العلماء العزاب لعبد الفتاح أبو غدة- دمشق 1995.
33- حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني. بيروت 1985.
34- وفيات الأعيان لابن خلكان- بيروت 1983.
35- صفة الصفوة لابن الجوزي- بيروت 1992.
36- استنشاق نسيم الأُنس لابن رجب الحنبلي- دمشق 1997.
37- طبقات الصوفية للسلمي- القاهرة د. ت.
38- النجوم الزاهرة لابن غري بردى – بيروت 1992.
39- تنوير القلوب لأمين الكردي- بيروت- 1996.
40- رسالة المسترشدين للمحاسبي- ت: عبد الفتاح أبو غدة.
41- مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية- القاهرة د.ت
42- الأعلام للزركلي- بيروت 1992.
43- تاريخ الإسلام للذهبي- بيروت 1992.
44- نفحات الأُنس للجامي- مخطوط بمكتبة الأسد رقم 2231 (قيد الطبع).
45- معجم المؤلفين لرضا كحالة – بيروت 1989.
الهوامش:
(1) باحث في التراث الإسلامي من سورية.
(2) تاريخ دمشق/ ابن عساكر ج7 ص 258.
(3) الإمام أحمد بن حنبل لأحمد عبد الجواد الدومي ص 92.
(4) ص 144.
(5) ج1 ص 140.
(6) الصواعق الإلهية ص 76 لسليمان بن عبد الوهاب.
(7) الدرر السنية ص 45 لأحمد زيني دحلان.
(8) اقتضاء الصراط المستقيم ص 401. تصحيح مفاهيم خاطئة لابن علوي المالكي ص 29.
(9) سِيرَ أعلام النبلاء للذهبي ج 11 ص 54.
(10) اقتضاء الصراط المستقيم ص 339.
(11) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 212
(12) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ص 351.
(13) تاريخ دمشق ج 7 ص 258، سير أعلام النبلاء ترجمة رقم 1810.
(14) أحياء علوم الدين للغزالي ج2 ص 166 ط دار الفكر.
(15) الزهد للإمام أحمد ص 140.
(16) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ج3 ص 132.
(17) غذاء الألباب لابن مفلح ج1 ص 120.
(18) الورع للإمام أحمد ص 46.
(19) المختار في مناقب الأبرار لابن الأثير الجذري (مخطوط 61 ب).
(20) طبقات الحنابلة ص 7.
(21) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 216.
(22) تاريخ دمشق ج 7 ص 216.
(23) مدار ج السالكين ج 2 ص 12. الرسالة القشيرية ج1 ص 413.
(24) كشف المحجوب ص 144.
(25) ج2 ص 633. مسند أحمد رقم 16671.
(26) الرسالة القشيرية ج2 ص633.
(27) شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي وفيات (241هـ) طبقات الحنابلة ج1 ص 113.
(28) الزهد للإمام أحمد ص 320.
(29) ج 1 ص 112.
(30) الرد المحكم المتين لصديق الغماري ص 273.
(31) خلاصة الوفا للسمهودي ص 127.
(32) أحمد بن حنبل إمام أهل السنة لعبد الحليم الجندي ص 177.
(33) الجوهر المحصل في مناقب أحمد بن حنبل ص 113 لمحمد بن سعدي الحنبلي.
(34) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 58.
(35) إحياء علوم الدين ج2 ص 147. المجموعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية للشيخ خطار ج1 ص 443.
(36) مسائل كنز النقاش حولها للشيخ سيد بن الدين آل سميط ص 20.
(37) ج 3 ص 68.
(38) ج 1 ص 98، 108.
(39) إسلام بلا مذاهب ص 461 نقلاً عن طبقات الحنابلة.
(40) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 216.
(41) الترخيص بالقيام للنووي ص 48.
(42) اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل (مخطوط 12 أ) مكتبة الأسد الوطنية.
(43) الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية للمناوي (المقدمة)
(44) مناقب الإمام أحمد بن حنبل ص 369.
(45) تاريخ دمشق ج 7 ص 259، سير أعلام النبلاء وغيره (باختصار).
(46) مناقب الإمام أحمد ص 372.
(47) تاريخ دمشق ج 7 ص 268.
(48) المقدمة في التصوف للسلمي ص 45.
(49) طبقات الحنابلة ج 1 ص 86
(50) سير أعلام النبلاء ج 11 ص 231.
(51) مناقب الإمام أحمد ص 198.
(52) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ص 7 ص72.
(53) العلماء العزاب لعبد الفتاح أبو غدة ص 50.
(54) حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج 10 ص 14.
(55) ص 138.
(56) إحياء علوم الدين ج1 ص 82، وفيات الأعيان لابن خلكان ترجمة رقم (148)ز
(57) الكواكب الدرية ج1 ص 519.
(58) طبقات الحنابلة ج 1 ص 381.
(59) تاريخ بغداد ج 13 ص 201
(60) صفة الصفوة ترجمة رقم 242.
(61) ص 135.
(62) استنشاق نسيم الأُنس لابن رجب الحنبلي ص 132.
(63) طبقات الصوفية للسلمي ص 295، النجوم الزاهرة وفيات (270هـ)
(64) ص 405.
(65) انظر ذلك موسعاً في مقدمة تحقيق رسالة المسترشد بن للمحاسبي، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة.
(66) مجموعة الرسائل والمسائل ج1 ص 74.
(67) حلية الأولياء ج 10 ص313.
(68) سير أعلام النبلاء ترجمة رقم (2456)
(69) الأعلام للزركلي ج 4 ص 233.
(70) شذرات الذهب ووفيات (245هـ)
(71) سير أعلام النبلاء ترجمة رقم (2038)
(72) صفة الصفوة ج1 ص 411.
(73) سير أعلام النبلاء ترجمة رقم (2228)
(74) مناقب الإمام أحمد بن حنبل ص 51.
(75) النجوم الزاهرة لابن تغري بردي. وفيات (259هـ).
(76) تاريخ الإسلام للذهبي. وفيات (251- 260).
(77) نفحات الأنس للجامي (ترجمة زكريا الهروي) ص 520 تاريخ الإسلام. وفيات (251- 260)
(78) صفة الصفوة ج1 ص 575.
(79) حلية الأولياء ج 9 ص 167.
(80) معجم المؤلفين لرضا كحالة (ترجمة وكيع)
(81) الكواكب الدرية ج 2 ص316.
المصدر: مجلة التراث العربي- مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب – دمشق العدد 83-
إدارة موقع الصوفية